بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخبار متفرّقة في ذكاء النساء
·حدثنا هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة قالت:
قلت يا رسول الله, أرأيت لو نزلت واديا فيه شجر أكل منها, ووجدت شجرا لم يؤكل منها, في أيها كنت ترتع بعيرك؟
قال: "في التي لم يرتع منها".
تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها.
·عن عبد الله بن مصعب قال: قال عمر بن الخطاب:
لا تزيدوا في مهر النساء على أربعين أوقية, وان كانت بنت ذي الغصة_ يعني يزيد بن الحصين الصحابي الحارثي_ فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال.
فقالت امرأ’ من صف النساء: ما ذاك لك.
قال: ولم؟
قالت: لأن الله عز وجل قال:{ وءاتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا, أتأخذونه بهتانا واثما مبينا}.
قال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ.
·عن عبد الله بن الزبير, عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم قالت:
لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة ومعه أبو بكر حمّل أبو بكر معه جميع ماله, خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم, فأتاني جدي أبو قحافة, وقد ذهب بصره, فقال:
أرى هذا والله قد فجعكم بماله مع نفسه.
فقالت: كلا يا أبت, قد ترك لنا خيرا كثيرا.
فعمدت الى أحجار جعلتها في كوة البيت كان أبو كبر يحصّل ماله فيها, وغطيت على الأحجار بثوب, ثم جئت به فأخذت بيده ووضعتها على الثوب, وقلت ترك لنا هذا.
فجعل يجد مس الحجارة من وراء الثوب, فقال:
أما اذا ترك لكم هذا, فنعم.
ولا والله ما ترك لنا قليلا ولا كثيرا.
·قال أبو الحسن المدائني:
دخل عمران بن حطان يوما على امرأته _ وكان عمران قبيحا دميما قصيرا_ وكانت امرأة حسناء, فلما نظر اليها ازدادت في عينه جمالا وحسنا, فلم يتمالك أن يديم النظر اليها, فقالت:
ما شأنك؟
قال: لقد أصبحت والله جميلة.
فقالت: أبشر, فاني واياك في الجنة.
قال: ومن أين علمت ذلك؟
قالت: لأانك أعطيت مثلي فشكرت, وابتليت بمثلك فصبرت, والصابر والشاكر في الجنة.
·قال اسماعيل بن حمادة بن أبي حنيفة:
ما ورد عليّ مثل امرأة تقدمت, فقالت:
أيها القاضي, ابن عمي زوّجني من هذا ولم أعلم, فلما علمت رددت.
فقلت لها: ومتى رددت؟
قالت: وقت ما علمت.
قلت: ومتى علمت؟
قالت: وقت ما رددت.
فما رأيت مثلها.
·حدثنا عليّ بن القسم القاضي, قال: سمعت أبي يقول:
كان موسى بن اسحاق لا يرى مبتسما قط, فقالت له امرأ’:
أيها القاضي, لا يحل أنت تحكم بين اثنين وأنت غضبان.
قال: ولم؟
قالت: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان".
فتبسّم.
·قال الجاحظ:
رأيت بالعسكر امرأة طويلة القامة جدا, ونحن على طعام, فأردت أن أمازحها, فقلت:
انزلي حتى تأكلي معنا.
فقالت: وأنت فاصعد حتى ترى الدنيا.
·قال الجاحظ:
رأيت جارية بسوق النخاسين ببغداد ينادي عليها وعلى خدّها خال, فدعوت بها وجعلت أقلبها, فقلت لها: ما اسمك؟
قالت: مكة.
فقلت: الله أكبر! قرب الحج, أتأذنين أن أقبّل الحجر الأسود؟
قالت له: اليك عني, ألم تسمع قول الله تعالى:{ لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس}.
·قال الأصمعي:
أتي المنصور بسارق, فأمر بقطع يده, فأنشأ يقول:
يدي يا أمير المؤمنين أعيذها
بحقويك من عار عليها يشبنها
فلا خير في الدنيا ولا في نعيمها
اذا ما شمال فارقتها يمينها
فقال: يا غلام, اقطع. هذا حد من حدود الله, وحق من حقوقه لا سبيل الى تعطيله.
فقالت أم السارق:واحدي وكادي وكاسبي.
قال: بئس الواحد واحدك, وبئس الكاد كادك. وبئس الكاسب كاسبك. يا غلام! اقطع.
فقالت أم السارق: يا أمير المؤمنين, أما لك ذنوب تستغفر الله منها؟
قال: بلى.
قالت: هبه لي, واجعل هذا من ذنوبك التي تستغفر الله منها.
·حدثنا رجل من تغلب قال:
كان فينا رجل له ابنة شابة, وكان له ابن أخ يهواها وتهواه, فمكثا كذلك دهرا, ثم ان الجارية خطبها بعض الأشراف فأرغب في المهر, فأنعم أبو الجارية, واجتمع القوم للخطبة, فقالت الجارية لأمها:
يا أماه ما يمنع أن يزوجني من ابن عمي؟
قالت: أمرا كان مقضيا.
قالت: والله ما أحسن. رباه صغيرا, ثم تدعوه كبيرا؟
ثم قالت لها: يا أماه, اني والله حامل, فاكتمي ان شئت أو نوّحي.
فأرسلت الأم الى الأب, فأخبرته الخبر, فقال: اكتمي هذا الأمر.
ثم خرج الى القوم, فقال: يا هؤلاء, اني كنت أجبتكم, وأنه قد حدث أمر رجوت أن يكون فيه الأجر وأنا أشهدكم أني قد زوّجت ابنتي فلانة من ابن أخي فلان.
فلما انقضى ذلك قال الشيخ: أدخلوها عليه.
فقالت الجارية: انها بالرحمن كافرة ان دخل عليها من سنة أو تبيّن حملها.
قال: فمادخل عليها الا بعد حول, فعلم أبوها أنها احتالت عليه.
·قال الصولي: قال العتبي:
رأيت امرأة أعجبتني صورتها, فقلت: ألك بعل؟
قالت: لا.
قلت: أفترغبين في التزويج؟
قالت: نعم, ولكن لي خصلة أظنك لا ترضاها.
قلت: وما هي.
قالت: بياض برأسي.
قال: فثنيت عنان فرسي وسرت قليلا, فنادتني: أقسمت عليك لتقفن.
ثم أتت موضعا خاليا, فكشفت عن شعر كأنه العناقيد, فقالت:
والله ما بلغت العشرين, ولكنني عرّفتك أنّا نكره منك ما تكره منا.
قال: فخجلت وسرت وأنا أٌول:
فجعلت أطلب وصلها بتملق
والشيب يغمزها بأن لا تفعلي
·حدثنا العتيبي قال:
قال رجل لامرأته: أمرك بيدك.
ثم ندم فقالت:
أما والله لقد كان بيدك عشرين سنة, فأحسنت حفظه وصحبه, فلن أضيعه اذا كان بيدي ساعة من نهار, وقد رددته اليك.
فأعجب بذلك من قولها وأمسكها.
·مرّ شاعر بنسوة فأعجبه شأنهن, فجعل يقول:
ان النساء شياطين خلقن لنا نعوذ بالله من شرّ الشياطين
فأجابته واحدة منهن, وجعلت تقول:
ان النساء رياحين خلقن لكم
وكلكم يشتهي شمّ الرياحين
·كان شنّ من دهاة العرب, فقال:
والله لأطوفنّ حتى أجد امرأة مثلي, فأتزوجها.
فسار حتى لقي رجلا يريد قرية يريدها شنّ, فصحبه, فلما انطلقا قال له شنّ:
أتحملني أم أحملك؟
فقال الرجل: يا جاهل كيف يحمل الراكب الراكب؟
فسارا حتى رأيا زرعا قد استحصد, فقال شنّ:
أترى هذا الزرع قد أكل أم لا؟
فقال: يا جاهل, أما تراه قائما.
فمرّا بجنازة فقال:
أترى صاحبها حيا أو ميتا؟
فقال: ما رأيت أجهل منك, أتراهم حملوا الى القبور حيا؟
ثم سار به الرجل الى منزله, وكانت له ابنة تسمى طبقة, فقصّ عليها القصّة, فقالت:
أما قوله:" أتحملني أم أجملك", فأراد: "تحدثني أم أحدثك حتى نقطع طريقنا", وأما قوله:" أترى هذا الزرع قد أكل أم لا", فأراد:" باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا", وأما قوله في الميّت, فانه أراد:" أترك عقبا يحيا به ذكره أم لا".
فخرج الرجل فحادثه, ثم أخبره بقول ابنته, فخطبها اليه فزوّجه اياها, فحملها الى أهله, فلما عرفوا عقلها ودهاءها, قالوا:" وافق شنّ طبق".
·كان بعض قضاة الحنفية من مذهبه أنه اذا ارتاب بالشهود فرّقهم.
فشهد عنده رجل وامرأتان فيما يشهد فيه النساء, فأراد أن يفرّق بين المرأتين على عادته, فقالت احداهما: أخطأت, لأن الله تعالى قال:" {فتذكر احاهما الأخرى}. فاذا فرّقت زال المعنى الذي قصده الشرع.
فأمسك.
·ذكر أن رجلا دعا المبرّد بالبصرة مع جماعة, فغنّت جارية من وراء الستار, وأنشأت تقول:
وقالوا لها هذا حبيبك معرضا
فقالت ألا اعراضه أيسر الخطب
فما هي الا نظرة بتبسّم
فتصطك رجلاه ويسقط للجنب
فطرب كل من حضر الا المبرد, فقال له صاحب المجلس:
كنت أحق الناس بالطرب.
فقالت الجارية: دعه يا مولاي, فانه سمعني أقول:" حبيبك معرضا", فظنني لحنت, ولم يعلم أن ابن مسعود قرأ (وهذا بعلي شيخا).
فطرب المبرّد الى أن شق ثوبه.
·غضب المأمون يوما على عبد الله بن طاهر, فأراد طاهر أن يقصده, فورد عليه كتاب من صديق له مقصور على السلام, وفي حاشيته "يا موسى". فجعل يتأمله, ولا يعلم معنى ذلك, فقالت له جارية وكانت فطنة:
أراد:{ يا موسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك}.
فتيقظ عن قصد المأمون.
·خاصمت امرأة زوجها في تضييقه عليها وعلى نفسه, فقالت:
والله ما يقيم الفأر في بيتك الا لحب الوطن, والا فهو يسترزق من بيوت الجيران.
·أعطت امرأة جاريتها درهما, وقالت: اشتري هريسة, فرجعت, فقالت:
يا سيّدتي سقط الدرهم مني فضاع.
فقالت: يا فاعلة, تكلميني بفمك كله وتقولين: ذهب الدرهم؟
فأمسكت الجارية نصف فمها بيدها, وقالت بالنصف الآخر:
وانكسرت يا سيّدتي الزبدية.
·بكت عجوز على ميّت فقيل لها:
بماذا استحق هذه منك؟
فقالت: جاورنا وما فينا الا من تحل له الصدقة, ومات وما منا الا من تجب عليه الزكاة.
·قال ابن قتيبة:
جاءتني جارية بهديّة فقلت لها:
قد علم مولاك أني لا أقبل الهدية.
قالت: ولم؟
قلت: أخشى أن يستمد مني علما لأجل هديته.
فقالت: استمد الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر, وقد كان يقبل الهديّة.
فقبلتها, فكانت الجارية أفقه مني.
·روى بعض التجار المسافرين قال:
كنا نجتمع من بلاد شتى في جامع عمرو بن العاص نتحدث, فبينما نحن جلوس يوما نتحدّث, واذا بامرأة بقربنا في أصل سارية, فقال لها رجل من التجار من البغداديين:
ما شأنك؟
فقالت: أنا امرأ’ وحيدة, غاب عني زوجي منذ عشر سنين, ولم أسمع له خبرا, فقصدت القاضي ليزوّجني, فامتنع, وما ترك لي زوجي نفقة, وأريد رجلا غريبا يشهد لي هو وأصحابه أن زوجي مات أو طلقني لأتزوّج, أو يقول:" أنا زوجها", ويطلقني عند القاضي لأصبر مدة العدة وأتزوّج.
فقال لها الرجل: تعطيني دينارا حتى أصير معك الى القاضي وأذكر له أني زوجك, وأطلقك؟
فبكت وقالت: والله ما أملك غير هذه, وأخرجت أربع رباعيات.
فأخذها منها ومضى معها الى القاضي, وأبطأ علينا, فلما كان من الغد لقيناه, فقلنا: ما أبطأك؟
فقال: دعوني, فاني حصلت في أمر ذكره فضيحة.
قلنا: أخبرنا.
قال: حضرت معها الى القاضي فادعت عليّ الزوجية والغيبة عشرة سنين, وسألت أن أخلي سبيلها, فصدقتها على ذلك, فقال لها القاضي: أتبرئينه؟ قالت: لا والله, لي عليه صداق ونفقة عشر سنين, وأنا أحق بذلك, فقال لي القاضي: ادّها حقها ولك الخيار في طلاقها أو امساكها. فورد عليّ ما بلسني, ولم أتجاسر أن أحكي صورتها معي, فلا أصدّق, فتقدم القاضي بتسليمي الى صاحب الشرطة, فاستقرّ الأمر على عشرة دنانير أخذتها مني وغرمت للوكلاء وأعوان القاضي الأربع رباعيات التي أعطتني, ومثلها من يدي.
فضحكنا منه, فخجل وخرج من مصر ولم يعرف له خبر.
·قال الشيخ أبو الوفاء بن عقيل:
حكى لي بعض الأصدقاء أن امرأة جلست على باب دكان بزاز أعزب الى أن أمست, فلما أراد غلق الدكان تراءت له, فقال لها:
ما هذا المساء؟
فقالت: والله ما لي مكان أبيت فيه.
فقال لها: تمضين معي الى البيت؟
فقالت: نعم.
فمضى بها الى بيته, وعرض عليها التزويج, فأجابت, فتزوجها.
وبقيت عنده أياما, واذا قد جاء في اليوم الرابع رجل ومعه نسوة, فطلبوها, فأدخلهم وأكرمهم, وقال: من أنتم منها؟
فقالوا: أقاربها: ابن عم وبنات عم, وقد سررنا بما سمعنا من الوصلة, غير أنا نسالك أن تتركها وتزورنا لعرس بعض أقاربنا.
فدخل اليها فقالت:
لا تجبهم الى ذلك, واحلف بطلاقي أني لا خرجت من الدار شهرا ليمضي زمن العرس, فانه أصلح لي ولك, والا أخذوني وأفسدوا قلبي عليك, فاني كنت غضبى وتزوّجت اليك بغير مشاورتهم, ولا أدري من دلّهم اليك؟
فخرج فحلف كما ذكرت له, فخرجوا مأيوسين, وأغلق الباب وخرج الى الدكان وقد علق قلبه بالمرأة. فخرجت ولم تستصحب من الدار شيئا, فجاء فلم يجدها, فقال قائل: ترى ما الذي قصدت؟
قال أبو الوفاء: لعلها مستحلة به لأجل زوج طلقها ثلاثا, فليتخوّف الانسان من مثل هذا, وليطلع به على غوامض حيل الناس..وتقبلو فائق احترامي..